القرآن المحفوظ | The immutable quran

موقع علمي يهتم بقضايا القران الكريم وحفظه
An academic website concerned with issues of
the Noble Quran and its preservation

تعريف الأحرف السبعة برخصة القراءة بالمعنى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بعد الوقوف على كلام بعض المعاصرين وما نسبوه إلى المتقدمين من القول بالقراءة بالمعنى وجواز إبدال الإلفاظ من باب التشهي، نظرت فيما سرده العلماء المتقدمون والمتأخرون من أقوال في تعريف الأحرف السبعة، فاستوقفني عدم ذكرهم لهذه النظرية الشاذة. وهذا ما يخالف صنيعهم في مسألة مشابهة، ألا وهي رواية الحديث بالمعنى واللفظ، فنجد الخطيب البغدادي يسرد الآثار لمن تمسك بهذين المذهبين. ومنها قول ابن عون: (أدركت ستة، ثلاثة منهم يشددون في الحروف، وثلاثة يرخصون في المعاني، وكان صاحب الحروف القاسم بن محمد ورجاء بن حيوة ومحمد بن سيرين، وكان أصحاب المعاني الحسن والشعبي والنخعي.)[1] فخلو مؤلفات العلماء من مثل هذه المعلومات بالنسبة للقراءة بالمعنى أوصلنا إلى احتمالين اثنين: الأول: اتفاق القراء من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم على أن القراءة ما كانت إلا بالتلقي، والثاني: اتفاقهم على القراءة بالمعنى. ولو كانت المسألة خلافية لدُوِّن ذلك.

فالقول الأول المشهور وعليه جماعة من الصحابة والتابعين، قولهم بأنّ: القراءة سنة،[2] واشتهر عن جماعة  منهم التمسك بقراءات مشايخهم، فهناك من صرح بأنه لم يخالف شيخه في كلمة كأبي عبد الرحمن السلمي مع علي،[3] وما خالف عاصم شيخه أبا هو عبد الرحمن إلا في كلمة،[4] وكذلك حال حفص مع عاصم.[5]

وأما القول الثاني فلم يأت في نص صريح عن القراء، إلا أنا نجد المعاصرين ينسبون إليهم هذه الأقوال. بل نجد للأسف الشديد من تسرع فنسب هذا القول إلى طائفة كمالك والشافعي ويحيى بن سعيد والزهري وأبي عوانة والطحاوي، ثم جماعة ممن جاء بعدهم كالسمرقندي وابن جني وأبي شامة وابن التين وابن الجزري وابن حجر.

فلكثرة هذه الأقوال المنسوبة قد يظن الظان أنه قول الجمهور والله المستعان، والواقع على خلافه، فها هو ابن حبان (354هـ) يسرد أقوال العلماء في تحديد الأحرف السبعة فذكر خمسة وثلاثين قولًا ليس منها ما يدل على أن الأحرف السبعة رخصة للقراءة بالمرادف. فهل خُفي على ابن حبان أشهر وأصح الأقوال كما يدعيه المنتصرون للقراءة بالمعنى فقدَّم عليها خمسة وثلاثين قولًا؟[6]

ثم جاء ابن الجوزي، فقال: (وقد ذكر أبو حاتم بن حبان الحافظ أن العلماء اختلفوا في معناه على خمسة وثلاثين قولًا، فذكرها. وفيها ما لا يصلح الاعتماد عليه في توجيه الحديث. وذكر غيره غيرها. وأنا أنتخب من جميع الأقوال ما يصلح ذكره وأُبين الأصوب إن شاء الله.)[7]

قلت: ولم يذكر القراءة بالمرادف.

ثم جاء من بعده السيوطي (911هـ) وجعل الأقوال ستة عشر وليس فيه إشارة إلى وجود القراءة بالمرادف أيضًا، إلا أنه ذكر في القول الثاني ما يحتج به بعضهم فقال: (الثاني: أنه ليس المراد بالسبعة حقيقة العدد، بل المراد التيسير والتسهيل والسعة، ولفظ (السبعة) يطلق على إرادة الكثرة في الآحاد، كما يطلق السبعون في العشرات، والسبعمئة في المئين، ولا يراد العدد المعين. وإلى هذا جنح عياض ومن تبعه.)[8]

قلت: سلمنا أن رد ظاهر الحديث وتأويل العدد إلى المجاز من شروط القراءة بالمعنى إلا أنه ليس سوى جزء من النظرية، إذ لا تعارض بين ذلك القول مع كون القراءات مأخوذة بالتلقي من النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا موقف القاضي عياض الذي صرح بالآتي: (استقر الإجماع على منع تغيير القرآن، ولو زاد أحد من المسلمين في كلمة منه حرفًا واحدًا أو خفف مشددًا أو شدد مخففًا لبادر الناس إلى إنكاره، فكيف بإبدال كثير من كلماته؟)[9]

وليعلم القارئ أن القاضي عياض لم يصح عنه الانتصار للقول بأن العدد سبعة مجازي ولكن قاله وهو يستعرض الأقوال، فقال: (فقيل هو: حصر العدد، وهو قول الأكثر، وقيل: توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر.)[10]

قلت: ومن الملفت للنظر أن السيوطي لم يجد هذا القول مذكورا عند المتقدمين، فالقاضي من أهل القرن السادس، فهو قول متأخر جدًا، ولا ينبغي الالتفات إليه إذ لم يذكره ابن حبان ولا قاله أحد ممن نُسب إليه القول بالقراءة بالمعنى.

ومما نجده أيضًا في الإتقان أن السيوطي لم يفرق بين مذهب الطحاوي ومذهب غيره في معنى الأحرف السبعة،[11] واكتفى بوصفه بكونه سبعة أوجه من المعاني المتفقة بألفاظ مختلفة، فجعل الطحاوي في صف الباقلاني وهو ممن اشتهر عنه القول بأن القراءات ما كانت إلا بالتلقي.[12] خصصت الطحاوي هنا بالذكر لكونه أكثر من اتُهم بهذا القول عند بعض المعاصرين هداهم الله.

وكما سبق مع ابن حبان، لا يُعقل أن يكون القول بالقراءة بالمرادف مذهبًا مشهورًا معتبرًا، ثم يخفى عن السيوطي فلا يشير إليه من قريب ولا من بعيد، فيستفاد من هذا أن نسبة هذا القول لمن تقدم من العلماء باطل جزمًا وهو مبني على أوهام بعض المعاصرين.

والحمد لله رب العالمين.

 

المصادر:

الاتقان في علوم القرآن، السيوطي، مؤسسة الرسالة / بيروت، ط1: 1429هـ.

إكمال المعلم بفوائد مسلم، القاضي عياض، دار الوفاء / المنصورة، ط1: 1419هـ.

الانتصار، الباقلاني، دار الكتب العلمية / بيروت، ط1: 1433هـ.

جامع البيان في القراءات السبع، الداني، دار الكتب العلمية / بيروت، ط1: 1426هـ.

السبعة في القراءات، ابن مجاهد، ت: شوقي ضيف، دار المعارف / القاهرة، 1972م.

فنون الأفنان في عيون علوم القرآن، ابن الجوزي، دار البشائر / بيروت، ط1: 1408هـ.

الكفاية، الخطيب البغدادي، مكتبة ابن عباس / سمنود، 2002م.

معرفة القراء الكبار، الذهبي، دار الصحابة / طنطا، ط1: 1428هـ.


 

[1]  الكفاية 1/553

[2]  السبعة ص50-52

[3]  معرفة القراء الكبار ص18

[4]  جامع البيان ص609

[5]  جامع البيان ص532

[6]  الإتقان ص110-112.

[7]  فنون الأفنان ص200

[8]  الإتقان ص105

[9]  إكمال المعلم 3/191-192

[10]  إكمال المعلم 3/187

[11]  الإتقان ص107

[12]  الانتصار ص284-285


Posted

in

by

Tags: